26 - 09 - 2024

مدينتي الفاضلة| قواتنا المسلحة في المريلاند،عفوًاً نرتعب أم نطمئن!

مدينتي الفاضلة| قواتنا المسلحة في المريلاند،عفوًاً نرتعب أم نطمئن!

اختفت ملامح مصر الجديدة إلا من قصر الاتحادية والكوربة!! تحول حينا العامر بجمال المعمار والبراح والأشجار،إلى مدينة المقاهي!! فرح عمدة منصوب في كل شبر ملك الدولة، الليلة الكبيرة لمولد سيدنا "الولى"حاصدإيجار المحلات وضرائبها، بجسارة لم تخطر على عقل ولا خيال.. تسللت المحلات تباعا تحت الكباري، ثم توحشت لتلتهم الأخضر واليابس، ومنزوع الملكية، والقريب من كل مصدر رزق مؤكد للمحلات، مثل محكمة مصر الجديدة، مستشفي الطيران، مواقف الأتوبيسات، الميادين الرئيسية، وجاري العمل حاليا بميدان روكسي!! مغروز في قلب فضائه العلامة الحمراء التي لا يكاد يخلو منها تجمع محلات، تقدم سموم الوجبات الأمريكية السريعة على الرصيف مغلفة بالعادم!

ديناصورات محلات متراصة متربصة، عشوائيات أسمنتيه، تكاد تدهسنا وبيوتنا، شوهت البراح والجمال، والتهمت ملامح الحي وسمائه.. وأفسدت تضحيات إنجازالسيولة المرورية، وأضعفت احتمالنا لكثافة التلوث وافتقاد الظل والذوق والحميمية.          

حتى وصلنا إلى الميريلاند!! بقايا البراح وريحة المرحوم.. ألواح الحديد الملقاة أمام بوابته، والفواصل الزرقاء الحاجبة، وصمت المسؤولين عن التوضيح أوالاستشارة، هو مشهد ضد سيل الانجازات المُبشرة بالخير المعضدة للاحتمال، مثل اختفاء العشوائيات والقطار السريع.

الميريلاند هو حكاياتنا، وحكاية نجاح مغامرين، أولهما البارون إمبان عاشق مصر، مُفكٍر ومُخرج ومنتج أروع الأحياء في صحرائها، فأشرقت عليه الشمس بالحياة، وسكنته طبقات المجتمع المختلفة بتناغم عبقري بديع وارتياح.. والثاني هو جمال عبد الناصر الذي عاش في مدينة البارون "مصر الجديدة" بعد زواجه ولم يبرحها.. حلمه كان الاستقلال، والحرية، والكرامة لكل مواطن مصري، فلاح ، عامل، موظف.. خير مصر للمصريين حضارتنا لأولادنا والعالم.. أحلام بريئة نبيلة وعزيمة أراها تتجدد مع الرئيس السيسي، لكن المعطيات أقل.. الزيادة السكانية، ورسوخ فساد بدأه صراع أعضاء مجلس قيادة ثورة 1952 على المناصب والسلطة، بخبرة قاصرة على المهام القتالية، صراع أفضى إلى مناخ يتطلب معجزات لتنفيذ الحلم.

أعود للميرلاند قبل اكتمال تدميره بنخاسة التجارة.. عام 1961 عاد عبد الناصر من اجتماع للأمم المتحدة، مبهورا بمدينة نيويورك، رافعا سقف طموحه واثقا في قدراته.. آمراً سامي شرف المسؤول السياسي عن منطقة شرق القاهرة بإعادة تنظيم مصر الجديدة، واستغلال المساحات الصحراوية.. وتم التخطيط لإنشاء نادي الشمس بمساحة 450 فدانا - دون الضغط على ميزانية الدولة، وكانت الميريلاند قائمة بجوار مساحات سباق الخيل بمدخل المدينة - سينما روكسي وغرناطة فيما بعد -.. أثمرت الجهود، عن نقل سباق الخيل لمساحة نادي الشمس، وبناء منطقة سكنية أمام الميريلاند لتمويل التطوير، وضم مساحة مضمار السباق للمريلاند، لتمتد حدائقها 50 فدانا بطول 3 محطات مترو كمُتنزًه لسكان الحي، دخولها بتذاكر رخيصة لتمويل زراعة الأشجار النادرة والمشتل، والبحيرة وأجور العمال.. تحقق الحلم وامتدت المتعة لسكان القاهرة، حتى وقع انقلاب مايو 71 الذي طالت أحكامه سامي شرف بالسجن عشر سنوات.. واكتسحتنا سياسة الانفتاح، وتحولت مشاريع خدمية إلى تجارية تتناسب مع مصالح طبقة رجال المال، وكل أنواع الأعمال! وغياب حرية الرأي، وعودة التنكيل وتكميم الصحفيين والإعلاميين، وكل رأي معارض ولو أدبي أو فني، بالمخالفة لدستورنا كدولة مدنية ملزمة بعدم توقيع عقوبة سالبة للحرية الفكرية.

ما علينا.. تدهور حال الميريلاند!! وفي يناير 2016 اتخذت شركة مصر الجديدة قرارها بتحويل 40 ألف متر من الحديقة إلى مشروع سياحي ترفيهي "تجاري" متكامل!! وبناء دور أرضي وبدرومين– يعني مول-  ولاند سكيب أخضر وبحيرات- كانت موجودة!!- بتكلفة 350 مليون جنيه.. ثم تعاقدت مع شركة النصر للمباني والانشاءات لتنفيذ أعمال تطوير سريعة مقابل 30 مليون جنيه .. ثم قامت بتأجير مساحات لشركة خاصة لتنفيذ المشروع السياحي، لكنها استردت الأرض بحكم المحكمة لتأخر الشركة في دفع الإيجار بمديونية 68 مليون جنيه!! ومؤخرا بدأ التنفيذ لينتهي بأمر واقع نخشى ان يكون صادما مثل محلات الكباري!!

لم يدهشني تستيف أوراق الحكومة بهدوء كالعادة، ففي يونيو الماضي، كشف هشام توفيق وزير قطاع الأعمال وبيع الحديد والصلب، أنه سيفتتح 12 مطعما في أغسطس، و27 مطعما في مرحلة لاحقة، بإجمالي 39 مطعما!! وبحيرة وجراجات تحت الأرض، وقاعة عروض دولفين، وأنشطة سياحية.. وبدأ التطوير بما هو أربح، فظهرت فورا ملاهي للأطفال نافست ضحالة الشعبية، وأسعار تذاكر الخاصة!! ومؤخرا نتابع أعمالا تتوالد عنها شائعات عن أبراج ومول ومحلات كباري على السور!! تؤكدها أعمال حفر وأسياخ حديد، وسواتر وصمت!! 

عمرو السنباطي نائب مصر الجديدة أطلق تصريحا (20/9) ينفي بناء جراج او محلات على أرض الحديقة، مؤكدا "لا مساس"!! خمسة أيام وأعلنت النائبة سميرة الجزار (25/9) تقديمها طلب إحاطة اندهاشي لطيف - للذكرى غالبا - تستفسر عن قطع الأشجار، ونصب تذكاري، وأعمال حفر في موقع تجدد من 3 سنوات بتكلفة 48 مليون!!

ما أزعجني شخصيا هو تكرار ملصق علامة "الهيئة الهندسية للقوات المسلحة" على السواتر الزرقاء.. هل من المفروض أن أخاف منه وأسكت، أم أستنجد به!!
------------------------------
بقلم: منى ثابت

مقالات اخرى للكاتب

مدينتي الفاضلة | دستور الإجراءات الجنائية ضد الدستور